فصل: المعنى الإجمالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون: إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئًا.
فقدِّم مالك، ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن يستغرق المال بالوصايا. فأمروا بأن يخشوا ربهم ويخشوا على أولاد المريض خوفهم على أولاد أنفسهم لو كانوا. وعلى هذا تكون الآية نهيًا للحاضرين عن الترغيب في الوصية. والقول السديد أن يقولوا للمريض لا تسرف في الوصية فتجحف بأولادك مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: الثلث كثير. وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون أن لا تبلغ الوصية الثلث وإن الخمس أفضل من الربع والربع من الثلث. وقيل: يجوز أن تتصل الآية بما قبلها فيكون أمرًا للورثة بالشفقة على الذين يحضرون القسمة من الضعفاء، وأن يتصوروا أنهم لو كانوا أولادهم خافوا عليهم الحرمان. وعن حبيب بن ثابت سألت مقسمًا عن الآية. فقال: هو الرجل الذي يحضره الموت ويريد الوصية للأجانب فيقول له من كان عنده: اتق الله وأمسك على ولدك مالك. مع أن ذلك الإنسان يحب أن يوصي له. وعلى هذا يكون نهيًا عن الوصية ولا يساعده قوله: {لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا} ثم أكد الوعيد في باب إهمال مال اليتيم فقال: {إن الذين يأكلون أموال اليتامة ظلمًا} أي ظالمين أو على وجه الظلم من ولاة السوء وقضاته لا بالمعروف {إنما يأكلون في بطونهم} أي ملء بطونهم نارًا أي ما يجر إلى النار وكأنه نار في الحقيقة. وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وأنفه وأذنيه وعنيه، فيعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا. وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ليلة أسري بي قومًا لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرًا من النار يخرج من أسافلهم فقال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا» {وسيصلون} من قرأ بفتح الياء فهو من صلى فلان النار بالكسر يصلى صليًا احترق. ومن قرأ بالضم فمعناه الإلقاء في النار لأجل الإحراق من الإصلاء. وقد يشدد من التصلية والمعنى واحد. والسعير النار، وسعرت النار والحرب هيجتها وألهبتها فهي سعير أي مسعورة. والتنكير للتعظيم أي نارًا مبهمة الوصف لا يعلم شدتها إلا خالقها. قالت المعتزلة: لا يجوز أن يدخل تحت هذا الوعيد آكل اليسير من ماله، بل لابد أن يكون مقدار خمسة دراهم لأنه القدر الذي وقع عليه الوعيد في آية الكنز في منع الزكاة ولابد مع ذلك من عدم التوبة. فقيل لهم: إنكم خالفتم هذا العموم من وجهين: من جهة شرط عدم التوبة، ومن جهة شرط عدم كونه صغيرة، فلم لا يجوز لنا أن نزيد فيه شرط عدم العفو؟ وههنا نكتة وهي أنه أوعد مانع الزكاة بالكي، وآكل مال اليتيم بامتلاء البطن من النار.
ولا شك أن هذا الوعيد أشد، والسبب فيه أن الفقير غير مالك لجزء من النصاب حتى يملكه المالك، واليتيم مالك لماله فكان منع اليتيم أشنع. وأيضًا الفقير يقدر على الاكتساب من وجه آخر أو على السؤال، واليتيم عاجز عنهما فكان ضعفه أظهر وهذا من كمال عنايته تعالى بالضعفاء فنرجو أن يرحم ذلنا وضعفنا بعزته وقوته. اهـ.

.قال الصابوني:

{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}.
{السفهاء}: أصل السفه في اللغة الخفة والحركة، يقال: تسفهت الريح الشجر إذا أمالته، ورجل سفيه إذا كان ناقص التفكير خفيف الحلم، والمراد به هنا الذي لا يحسن التصرف في ماله، أو يبذره في غير الطرق المشروعة.
قال في [الكشاف]: السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها.
{قياما}: أي به معاشكم وقوام حياتكم.
قال ابن قتيبة: قيامًا وقوامًا بمنزلة واحدة تقول: هذا قوام أمرك وقيامه أي ما يقوم به أمرك.
{وابتلوا}: الابتلاء: الاختبار أي اختبروا عقولهم وتصرفهم في أموالهم.
{آنَسْتُمْ}: أي علمتم وقيل: رأيتم، وأصل الإيناس: الإبصار ومنه قوله تعالى: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَارًا} [القصص: 29] قال الأزهري: تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدًا؟ أي تبصّر.
{رُشْدًا}: الرشد الاهتداء إلى وجوه الخير، والمراد به هنا الاهتداء إلى حفظ الأموال.
{إِسْرَافًا}: الإسراف مجاوزة الحد والإفراط في الشيء، والسرف والتبذير.
{وَبِدَارًا}: معناه مبادرة أي مسارعة، والمراد أن يسارع في أكل مال اليتيم خشية أن يكبر فيطالبه به.
{فَلْيَسْتَعْفِفْ}: استعفّ عن الشيء كفّ عنه وتركه، وهو أبلغ من (عفّ) كأنه طلب زيادة العفة.
{حَسِيبًا}: أي محاسبًا لأعمالكم ومجازيًا لكم عليها.
قال الأزهري: يحتمل أن يكون الحسيب بمعنى المحاسب، وأن يكون بمعنى الكافي، ومن الثاني قولهم: حسبك الله أي كافيك الله. قال تعالى: {يا أيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الأنفال: 64].
{القسمة}: المراد بالقسمة في الآية قسمة التركة بين المستحقين من الأقرباء.
{أُوْلُواْ القربى}: المراد بهم الأقرباء الذين لا يرثون لكونهم محجوبين، أو لكونهم من ذوي الأرحام.
{قَوْلًا مَّعْرُوفًا}: أي قولًا طيبًا لطيفًا فيه نوع من الاعتذار، وتطييب الخاطر، قال سعيد بن جبير: يقول الولي للقريب: خذ بارك الله فيك، إني لست أملك هذا المال إنما هو للصغار.
{وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}: أي سيدخلون ويذوقون نارًا حامية مستعرة يصطلي الإنسان بحرّها ولهبها.

.المعنى الإجمالي:

نهى الله سبحانه وتعالى الأولياء عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال، التي جعلها الله للناس قيامًا، تقوم بها حياتهم ومعايشهم، وأمر بالإنفاق عليهم بشتى أنواع الإنفاق من الكسوة والإطعام وسائر الحاجات، كما أمر تعالى باختبار اليتامى حتى إذا رأوا منهم صلاحًا في الدين، وحفظًا للأموال، فعلى الأوصياء أن يدفعوا إليهم أموالهم من غير تأخير، وعليهم ألاّ يبذّروها ويفرطوا في انفاقها، ويقولوا: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا، فمن كان غنيًا فليكفّ عن مال اليتيم، ومن كان فقيرًا فليأكل بقدر الحاجة، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم لئلا يجحدوا تسلمها وكفى بالله محاسبًا ورقيبًا. ثم بيّن تعالى أن للرجال نصيبًا من تركة أقربائهم، كما للنساء، فرضها الله لهم بشرعه العادل وكتابه المبين، وأمر بإعطاء أولي القربى واليتامى والمساكين من غير الوارثين شيئًا من هذه التركة تطييبًا لخاطرهم وإحسانًا إليهم.
ثم حذَّر تعالى الأوصياء من الظلم للأيتام الذين جعلهم الله تحت رعايتهم ووصايتهم، وأمرهم بالإحسان إليهم، فكما يخشى الإنسان على أولاده الصغار الضعاف بعد موته، عليه أن يتقي الله في هؤلاء الأيتام فكأنه تعالى يقول: افعلوا باليتامى، كما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم.
ثم ختم تعالى الآيات ببيان جزاء الظالمين الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا وعدوانًا، وبيّن أنهم إنما يأكلون نارًا تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون السعير وهي نار جهنم المستعرة أعاذنا الله منها.

.سبب النزول:

أولًا: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء، ولا الولدان الصغار شيئًا، ويجعلون الميراث للرجال الكبار فأنزل الله: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون...} الآية.
ثانيًا: وروي عن ابن عباس أنه قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا، فمات رجل من الأنصار يقال له: (أوس بن ثابت) وترك ابنتين وابنًا صغيرًا فجاء ابنا عمه فأخذوا ميراثه كله. فقالت امرأته لهما تزوجا بهما- وكان بهما دمامة- فأبيا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فنزلت الآية: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهما فقال لهما: لا تحركا من الميراث شيئًا فقد أخبرت أن للذكر والأنثى نصيبًا، ثم نزل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ الله في أولادكم} [النساء: 11].

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور {التي جَعَلَ الله لَكُمْ قياما}، وقرأ نافع وأهل المدينة {قِيَمًا} بدون ألف.
2- قرأ الجمهور {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا} بضم الراء، وقرأ السلمي {رَشَدًا} بفتح الراء والشين.
3- قرأ الجمهور {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} وقرأ ابن عامر وعاصم {وسَيُصْلُون} بالبناء للمجهول.

.وجوه الإعراب:

أولًا: قوله تعالى: {إِسْرَافًا وَبِدَارًا} مفعول لأجله ويجوز أن تعرب حالًا أي لا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم، وقوله: {أن يكبروا} في محل نصب بـ {بدارًا}.
ثانيًا: قوله تعالى: {وكفى بالله حَسِيبًا} الباء زائدة ولفظ الجلالة فاعل و{حسببًا} تمييز.
ثالثًا: قوله تعالى: {نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} نصيبًا منصوب على المصدر و{مفروضًا} صفة له.
لطائف:
اللطيفة الأولى:
أضاف أموال اليتامى إلى الأوصياء مع أنها أموال اليتامى للتنبيه إلى التكافل بين أفراد الأمة، والحث على حفظ الأموال وعدم تضييعها، فإن تبذير السفيه للمال فيه مضرة للمجتمع، وهو كقوله تعالى: {وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لهذه الرابطة بين أفراد المجتمع. قال الفخر الرازي: المال شيء ينتفع به نوع الإنسان ويحتاج إليه، فلأجل هذه (الوحدة النوعية) حسنت إضافة أموال السفهاء إلى الأولياء.
اللطيفة الثانية:
لمّا كان المال سببًا لبقاء الإنسان وقيام شؤون حياته ومعاشه، سمّاه تعالى بالقيام إطلاقًا لاسم (المسبَّب) على (السبب) على سبيل المبالغة. ولهذا كان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن، ولأن أترك مالًا يحاسبني الله عليه خيرٌ من أن أحتاج إلى الناس.
اللطيفة الثالثة:
قال صاحب [الكشاف]: الفائدة في تنكير الرشد التنبيه على أن المعتبر هو الرشد في التصرف والتجارة، أو على أن المعتبر هو حصول طرفٍ من الرشد، وظهور أثر من آثاره حتى لا ينتظر به تمام الرشد.
اللطيفة الرابعة:
لفظ (استعفّ) أبلغ من (عفّ) كأنه يطلب زيادة العفة قاله أبو السعود. وفي لفظ الاستعفاف، والأكل بالمعروف، ما يدل على أن للوصي حقًا لقيامه بتدبير مال اليتيم، وقد روي أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إنّ في حجْري يتيمًا أفآكل من ماله؟ قال: «بالمعروف، غير متأثل مالًا، ولا واقٍ مالك بماله، قال: أفأضربه؟ قال: ممّا كنت ضاربًا منه ولدك».